منذ 66 سنة وفى نفس الشهر وبالتحديد يوم 21 فبراير 1946، دعت اللجنة الوطنية للعمال والطلبة إلى إضراب عام أطلق عليه اسم «يوم الجلاء»، هذه اللجنة التى تشكلت كرد فعل على حادث فتح كوبرى عباس الشهير بغرض إيقاف مظاهرات الطلبة عن الوصول إلى عابدين لتقديم طلبات جلاء الإنجليز للملك، هذه اللجنة حشدت حوالى 100.000 شخص بينهم 15.000 عامل من شبرا الخيمة وحدها.. اصطدمت قوات الاحتلال البريطانى بهذه الجموع المحتشدة وأسقطت 23 قتيلاً و121 جريحاً، وأصبح ذلك اليوم هو اليوم العالمى للطالب المصرى، ماذا كان موقف الإخوان بالنسبة لهذه الأحداث؟ إنها حكاية لها دلالة ومغزى.

كان رئيس الوزراء وقتها هو «إسماعيل صدقى»، لكن من هو إسماعيل صدقى؟ سننقل لكم فقط ما قاله مفكر ينتمى فكرياً للإخوان، وهو المستشار طارق البشرى، يقول البشرى: «صدقى بأى معيار من المعايير هو رجل المصالح الأجنبية فى مصر، ومن الناحية الوطنية لم يؤثَر عنه إلا العداء لكل فصائلها، ومن الناحية الديمقراطية هو من هو عداء لها، ومن الناحية الاقتصادية هو ذو العلاقة العضوية الوثيقة برؤوس الأموال الأجنبية، وبالجاليات الأجنبية اليهودية المهيمنة على الاقتصاد وقتها، ولم تكن تنقصه شجاعة الجهر بكل ذلك، ولا تنقصه شجاعة الجهر وحيدا بمعارضته لحرب فلسطين فى 1948، ومن ناحية الإسلام والتغريب، لم يؤثَر عنه أنه تحلّى أو تجمّل بأى من آثار الإسلام، فى أى من المجالات».

ما هو موقف الإخوان من هذا الرجل الديكتاتور مزور الانتخابات وماذا قالوا عنه؟، تقول د. لطيفة سالم: «عندما وقع اختيار الملك على تولى إسماعيل صدقى الوزارة، بعث برسول إلى حسن البنا ليستشيره فى أمر مجىء رئيس الوزراء الجديد، ولم يخب ظن فاروق، فقد سرّ المرشد العام من أنه أصبح يُستشار فى أمر السياسة العليا، ووافق موافقة تامة على الاختيار، وفى اليوم التالى لتأليف الوزارة، ذهب إسماعيل صدقى إلى (المركز العام) للإخوان وترك بطاقة، ورد له حسن البنا الزيارة، ووقف زعيم الإخوان فى الجامعة يوجه الشكر للملك على استقالة النقراشى ويشيد برئيس الوزراء الجديد»..

وما كتبه الصحفى الراحل صبرى أبوالمجد فى كتابه «سنوات الغضب» عن رد فعل طلبة الإخوان داخل الجامعة تجاه زملائهم المتظاهرين وتجاه إسماعيل صدقى هو أسوأ ما يمكن أن يحكى عن استغلال نصوص القرآن فى الألاعيب السياسية، يقول أبوالمجد: «وما من مظاهرة خرجت، بعد أن منع إسماعيل صدقى المظاهرات التى كان يدعو لقيامها يوم أن ألف الوزارة - ما من مظاهرة خرجت وعارضت وزارة إسماعيل صدقى إلا وتصدى شباب الإخوان المسلمين لها بالسكاكين والعصى.. وإننى لأذكر يوما دخل فيه طلاب الإخوان المسلمين بقضهم وقضيضهم إلى قاعة الاحتفالات الكبرى بجامعة فؤاد - جامعة القاهرة الآن - بعد أن كسروا الأبواب، وتم عقد مؤتمر كبير لتأييد إسماعيل صدقى، افتتحه الأخ والصديق المهندس الكبير مصطفى مؤمن بقوله تعالى وهو أصدق القائلين: (واذكر فى الكتاب إسماعيل إنه كان صادق الوعد، وكان رسولا نبيا)».

إنها مجرد حكاية لإنعاش الذاكرة، فـ«آفة حارتنا النسيان» كما يقول عمنا الكبير نجيب محفوظ.